Mazzika مشرف قسم
عدد المساهمات : 5041 تاريخ التسجيل : 28/06/2010 العمر : 32 الموقع : https://www.facebook.com/?ref=home
| موضوع: أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم 1/7/2010, 1:38 pm | |
| المحتويات
المحتويات 1
أولاً: اختيار الله تبارك
وتعالى له: 3
ثانياً: ثناء الله تبارك وتعالى عليه : 3
ثالثاً: شهادة
أصحابه له بحسن الخلق: 3
رابعاً: إخباره بأنه بعث ليتم مكارم الأخلاق: 4
خامساً:
دعوته إلى مكارم الأخلاق في مبدأ دعوته: 5
من مزايا خلقه : 6
أولا:
التكامل: 6
ثانياً: جمع المتقابلين: 7
ثالثاً: عدم الضعف: 7
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه
وسلم عبده رسوله وخيرته من خلقه، اصطفاه تبارك وتعالى من بين الناس لحمل
الرسالة وتبليغ الدين، فمن لم يجبه وقد سمع به من هذه الأمة فلن يدخل
الجنة، فصل اللهم عليه وعلى آله إلى يوم الدين، واحشرنا في زمرته وأوردنا
حوضه إنك سميع مجيب.
يشعر المتحدث حين يريد الحديث عن سيرة هذا النبي
وخلقه وشمائله بالمهابة والإجلال، وأنه مهما تحدث فلن يوفيه حقه، وما
عسى أن يفعل بشر مقصر مفرط في الحديث عن النبي المصطفى الذي اصطفاه عز
وجل لرسالته وتبليغ دينه.
وماذا نقول عمن أثنى عليه تبارك وتعالى وشهد
له أنه على خلق عظيم، وعمن كان خلقه القرآن لكننا وإن كنا لن نوفي
الحديث عن أخلاق الرسول حقها وإن اجتهدنا إلا أننا نشعر أن الأمة وأن
العالم اليوم بحاجة إلى أن يبرز أمامه هذا النموذج، وأن تفتح له هذه
الصفحات من سيرة النبي القدوة ، فنحن نعيش في عالم تسيطر عليه الأنانية
والأهواء على الناس.
إن ما نراه من نماذج خلقية سيئة في المجتمع يدفعنا
إلى الحديث عن خلق النبي وشمائله، وكثيراً ما أردت الحديث عن هذا
الموضوع لكني أشعر أنني كمن يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، لأني حين أتحدث عن أي
جانب في خلق النبي فكأني أنادي على نفسي بفقدان هذا الخلق، فالناس يرون
منا خلقنا وسلوكنا، وحين نحدثهم عن هذه الأخلاق يرون صورة أخرى غير تلك
التي نمارسها، لهذا كنت أرى أن حديثي عن خلق النبي إنما هو شهادة إدانة
لي فكنت أحجم عن هذا الموضوع على أهميته، ثم رأيت أن أجتهد في الحديث عن
ذلك، ولسان حالي يقول: اسمع كلامي ودعك من حالي. إنك حين تقرأ كتاباً من
كتب السنة أو كتب سيرة النبي أو كتب الشمائل تجدها تكتظ بالشواهد على
خلق النبي ، بل إنك لن تحتاج أن تتصفح كتب الأدب والشمائل ، أو أبواب
السلوك والأدب، فحين تقرأ في أبواب الأحكام أو في العبادات أو في أي باب من
الأبواب فإنك سترى هذه المرويات كلها تنطق بخلقه ، وتشهد لهذا المعنى
العظيم الذي وصفه به تبارك وتعالى بقوله وإنك لعلى خلق عظيم وما وصفته
به عائشة رضي الله عنها بقولها "كان خلقه القرآن".
وحين نتحدث عن هذا
الموضوع فلن نستطيع أن نوفيه، إنك لو تناولت خلقاً واحداً من الأخلاق
كالرحمة أو التواضع أو الكرم أو الجود أو الصبر لما وفيته حقه ولو اجتهدت
في ذلك، ولوجدت أن المقام يضيق عن الوفاء به، فكيف حين تريد الحديث عن عموم
خلقه .
لذا سنوجز هاهنا بعض الشواهد على كمال خلقه ، ومنها:
أولاً:
اختيار الله تبارك وتعالى له:
إن الله عز وجل يخلق ما يشاء ويختار ،
فاختاره عز وجل -وهو أعلم بخلقه- ليحمل الرسالة وليكون أسوة حسنة للناس،
وهذا الاختيار يقتضي أن يكون الرسول في القمة في كل الصفات البشرية، إنه
بشر مثلهم ينسى كما ينسون، ويأكل الطعام ويمشي في الأسواق، ولا يعلم الغيب
ولا ما في الغد، شأنه شأن سائر الناس، لكنه في القمة في كل صفة كمال يمكن
أن تكون في بشر كيف لا وقد اختاره ربه تبارك وتعالى، وها هو عبد الله بن
مسعود صاحبه رضوان الله عليه يشهد على ذلك ويقول : " إن الله نظر في قلوب
العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثم
نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم
وزراء نبيه يقاتلون على دينه؛ فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن،
وما رأوا سيئا فهو عند الله سيئ".
ثانياً: ثناء الله تبارك وتعالى عليه
:
لقد أثنى الله تبارك وتعالى على نبيه ووصفه بكمال الخلق، ومن أحسن
من الله حديثاً قال عز وجل وإنك لعلى خلق عظيم إنها شادة لنبيه ممن
خلقه وخلق الناس تبارك وتعالى وممن يعلم ما تكتمه الصدور والضمائر.
ويخبر
تبارك وتعالى أنه امتن على نبيه بالرفق واللين فقال عز وجل فبما رحمة
من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ، ويمن سبحانه
على المؤمنين بأن بعث لهم هذا النبي الذي يتصف بهذه الصفات العظيمة لقد
جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم .
ثالثاً:
شهادة أصحابه له بحسن الخلق:
وها هم أصحابه -رضي الله عنهم- الذي صحبوه
في السراء والضراء، والظعن والإقامة، وعاشروه في كل أحواله، هاهم يشهدون
له بأنه أحسن الخَلْق خلقاً، فيقول البراء رضي الله عنه:كان الرسول أحسن
البشر وجهاً، وأحسنهم خلقاً، ويصفه أنس بن مالك -رضي الله عنه- بقوله:
كان رسول الله أحسن الناس خلقا، فربما تحضر الصلاة وهو في بيتنا فيأمر
بالبساط الذي تحته فيكنس ثم ينضح، ثم يؤم رسول الله ونقوم خلفه فيصلي
بنا، وكان بساطهم من جريد النخل. متفق عليه. وسئلت عائشة - رضي الله عنها -
عن خلق رسول الله فقالت:ألست تقرأ القرآن؟ كان خلقه القرآن .
رابعاً:
إخباره بأنه بعث ليتم مكارم الأخلاق:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن
النبي أنه قال: "بعثت لأتمم صالح الأخلاق" وهذا يعني أن الخلق له منزلة
عظيمة في دين الله.
إن الخلق والسلوك عند بعض المسلمين بل عند بعض طلبة
العلم يأتي في مرتبة متأخرة وللأسف، ويشعر هؤلاء أن مجرد حفظ المسائل
العلمية وإتقانها هو وحده ما يحتاجه طالب العلم، وحين الحديث عن الخلق وعن
الهدي والسمت والسلوك يشعر هؤلاء أن هذا حديث الوعاظ، وأنه حديث ينبغي أن
يوجه إلى عامة الناس وليس طلبة العلم ، فطلبة العلم إنما يُحدَّثون بقال
فلان وفلان، وفي المسألة حديثان أو ثلاثة أقوال، وهو مجال لا ينبغي أن يقلل
أحد من شأنه، لكن أن نتصور أن أبواب الخلق والآداب ليست من شأننا أو أنها
قضية ثانوية فهذا أمر لا يليق.
لقد كان سلف الأمة يعنون بهذا الجانب،
وكان أحدهم يرحل في الأدب الواحد السنة والسنتين، وكانوا يتعلمون الأدب كما
يتعلمون الحديث، ويقول أحدهم كنا نأتي مسروقاً فنتعلم من هديه وسمته ودله،
ويقول ابن وهب ما تعلمت من أدب مالك أكثر مما تعلمت من علمه، وكانوا يوصون
طالب العلم بوصية بقولهم:
أيها طالباً علماً ائت حماد بن زيـــد
فاكستب
علماً وحلماً ثم قيده بقيـد
ودع الفتنة من آثار عمرو بن عبيــد
بل
في تصانيفهم المتقدمة ما يدل على علو شأن الأدب والسلوك، أليسوا صنفوا في
أدب العالم والمتعلم وآداب طالب العلم وما ينبغي أن يتصف به، صنفوا في ذلك
كتباً مستقلة وما كان أولئك يعانون من فراغ أوقات لا يدرون بم يصرفونها,
فعنايتهم بذلك دليل على أهمية ذلك الأمر وعلو شأنه في دين الله عز وجل كيف
لا وقد أخبر الرسول أنه بعث ليتمم مكارم الأخلاق ، فما دام رسول الله قد
بعث لذلك فلا بد أن تكون سيرته وحياته ناطقة شاهدة بذلك, وها هي أخباره
وأحواله تشهد بذلك.
وقد كان يدعو ربه أن يرزقه حسن الخلق، ويدعوه
تبارك وتعالى أن يحسن خلقه، فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي كان
يقول :"اللهم أحسنت خلقي فأحسن خلقي"، وكان يقول في دعائه المشهور في
قيام الليل "اللهم أهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني
سيئها فلا يصرف سيئها إلا أنت" وقد كان الرسول مجاب الدعوة.
وإذا كان
رسول الله يسأل ربه أن يحسن خلقه فنحن أحوج ما نكون إلى ذلك، ونحن صباح
مساء نقع في الأخطاء ونرى أن كثيراً من مواقفنا تشهد وتنطق بأننا أحوج ما
نكون إلى التحلي بمكارم الأخلاق وأن نتعلم حسن الخلق.
وإذا كان يأمر
بمكارم الأخلاق وهو أول من يمتثل ما يأمر به كيف لا وهو قد حذرنا وحذر
أمته من أن يقول أحدهم ما لا يفعل، وهو القائل :"يجاء بالرجل يوم القيامة
فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه،
فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان، ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف
وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر
وآتيه" متفق عليه.
خامساً: دعوته إلى مكارم الأخلاق في مبدأ دعوته:
عن
ابن عباس رضي الله عنهما قال لما بلغ أبا ذر مبعث النبي قال لأخيه: اركب
إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من
السماء واسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله ثم رجع
إلى أبي ذر فقال له رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاما ما هو بالشعر…." متفق
عليه.
فلأهمية مكارم الأخلاق ومنزلتها في دعوته جعلها أخو أبي ذر -
رضي الله عنهما – عنوان دعوته، وهذا يعني أنها معلم بارز يدركه كل من عاشر
النبي ورآه، وقد كانت تلك الرحلة والنبي لا يزال في أول رسالته وأول
دعوته.
وعن عطاء بن يسار قال لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله
عنهما- قلت: أخبرني عن صفة رسول الله في التوراة، قال: أجل والله إنه
لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا
ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا
غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر ولن
يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح
بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا".
من مزايا خلقه :
قد تجد
من البشر من يعجبك خلقه ولا تمل عن الحديث عن حسن خلقه وأدبه، وتتمنى أن
يرزقك الله شيئاً مما رزقه الله من خلق، ولا شك أن الله تبارك وتعالى قد خص
طائفة من الناس بشيء من ذلك كما قال النبي لأشج عبد قيس: "إن فيك خلتين
يحبهما الله الحلم والأناة"، قال: يا رسول الله أنا أتخلق بهما أم الله
جبلني عليهما؟ قال:" بل الله جبلك عليهما"، قال: الحمد لله الذي جبلني على
خلتين يحبهما الله ورسوله. رواه أبو داود وأحمد وأصله في مسلم.
لكن
النبي وإن كان في القمة في كل مجال وميدان من ميادين الخلق إلا أن له من
المزايا والخصائص ما لا تراه لسائر البشر، إنه إن ذكر أهل الحلم فهو أحلم
الناس، وإن ذكر أهل الغيرة فهو أغير الناس، وإن ذكر أهل الشجاعة فهو أشجع
الناس، وإن ذكر أهل الجود فهو أجود الناس ، فهو في كل باب من أبواب
الخلق الحسن قد بلغ أحسن غاية يمكن أن يبلغها أحد من الناس لكنه مع ذلك قد
اجتمع له من المزايا ما ليس لغيره، ومنها:
أولا: التكامل:
إن البشر
الذين يضرب بهم المثل في حسن الخلق قد اشتهروا في باب أو ميدان واحد من
الميادين، فلا يكاد يعرف عنهم غيره، أما النبي فقد جمع الله تبارك وتعالى
فيه كمال الخلق في كل مجال وفي كل باب، تحدث عما شئت، وائت بالشواهد من
هنا وهناك فلن ترى أصدق شاهداً مما روي عن هذا الرجل العظيم، تحدث عن الجود
والكرم، وتحدث عن الحلم والرحمة والصبر عن أي خلق حسن، فسترى النبي قد
بلغ الغاية فيه.
وصدق من قال في وصفه:
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى
وفعلت ما لا تفعل الكرماء
وإذا عفوت فقادراً ومقـــــــدراً لا يستهين
بعفوك الجهـــلاء
وإذا رحمت فأنـــــت أم أو أب هذان في الدنيا هما
الرحماء
وإذا غضبت فإنما هي غضبـــــة للحق لا ضغن ولا بغضــــاء
وإذا
رضيت فذاك في مرضاتـــه ورضى الكثير تحلم وريــاء
وإذا خطبت فللمنابر
هــــــــزة ترعو النديَّ وللقلوب بكاء
ثانياً: جمع المتقابلين:
كثيرٌ
من البشر حين يرزق خلقاً قد يطغى عليه في مواقف كثيرة ويخرجه عن الحق، فمن
رزق الرحمة وصار صاحب قلب رحيم يتحدث الناس عن رحمته قد يأتي موطن يتطلب
منه سوى ذلك فتغلبه الشفقة، وقل مثل ذلك في من رزق السخاء والجود؛ فقد
يتحول ذلك إلى سرف وتبديد للمال، والذي رزق الشجاعة قد تتحول إلى باب من
أبواب التهور أو قد تخرجه من الحق في موقف من المواقف وفي موطن من المواطن.
أما النبي الذي لا يرد سائلاً ولا شافعاً، يقبل شفاعة الأمة والعبد
والكبير والصغير، فها هو في موقف يشفع لديه حبه وابن حبه فيغضب ويتمعر ،
عن عائشة - رضي الله عنها - أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت
فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله ؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن
زيد حب رسول الله ؟ فكلمه أسامة فقال رسول الله :"أتشفع في حد من حدود
الله؟" ثم قام فاختطب ثم قال:"إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق
فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو
أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".
ثالثاً: عدم الضعف:
بعض الناس
حين يرزق خلقاً حسناً يتحول إلى رجل ضعيف فيسيطر عليه هذا الخلق، ولا
يستطيع أن يقف مواقف صارمة وجادة فتقعد به طبائعه وسجاياه، أما النبي فيجمع
الله تبارك وتعالى بين تمام الخلق وبين القوة والجرأة في الحق فهو صاحب
الرحمة ومع ذلك يقول عن نفسه بعثت بالسيف بين يدي الساعة وجعل رزقي تحت
ظل رمحي.
وبعد ذلك ننتقل في ما تبقى من الوقت إلى جولة سريعة مع بعض
الجوانب من خلقه وهي لمجرد التمثيل لا الحصر، فهي إشارات عاجلة إلى بعض
الجوانب مما تميز به من محاسن الأخلاق.
* فمن خلقه التواضع: حين
يكون لبعض منزلة عند الناس فهو عرضة لأن يدخل في قلبه شيء من الكبر ، وقد
يرى أن هذا من تمام المحافظة على هذه المنزلة التي اكتسبها عند الناس ألا
يتواضع لهم، وأي رجل أحق بالتقدير والتوقير والاحترام منه ومع ذلك كيف
كان شأنه وتواضعه ؟
كان كما حكى عنه عبد الله بن أوفى رضي الله عنه
فيما رواه النسائي والدارمي يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر
الخطبة ولا يأنف ولا يستنكف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي لهما
حاجتهما.
* ومن خلقه الرحمة: بل إن الله تعالى إنما أرسله رحمة
للعالمين عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله ادع على المشركين قال:"إني
لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة".
ورحمته التي لا تقف عند حد البشر بل
تجاوز ذلك إلى البهائم؛ فعن عبد الله بن جعفر قال: أردفني رسول الله خلفه
ذات يوم فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس، وكان أحب ما استتر به
رسول الله لحاجته هدفا أو حائش نخل، قال فدخل حائطا لرجل من الأنصار
فإذا جمل فلما رأى النبي حن وذرفت عيناه فأتاه النبي فمسح ذفراه فسكت
فقال:"من رب هذا الجمل؟" لمن هذا الجمل فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا
رسول الله، فقال:" أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟
فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه" فها هو صاحب القلب المليء بهموم الناس
وهموم الأمة أجمع يجد مكاناً لأن يعتني بشأن دابة من الدواب وبهيمة من
البهائم، وكأن هذا الجمل قد أدرك حين رأى الرسول أنه لن يعدم مكاناً في
قلب هذا الرجل العظيم.
وحين رأى أصحابه حمرة فأخذوا فراخها فجاءت الحمرة
فجعلت تفْرِش فجاء النبي فقال:"من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها".
إن
النبي الذي يرحم هذه البهائم والدواب كيف ستكون رحمته لسائر الناس، وكيف
ستكون رحمته للمؤمنين؟ لهذا وصفه الله سبحانه وتعالى بأنه بالمؤمنين رؤوف
رحيم، وفي هذا أسوة لكل من ولاه الله أمانة ومسؤولية على المسلمين صغرت أم
كبرت أياً كان أباً أو معلماً أو موجهاً أو أميراً، أن يحمل في قلبه الرحمة
لمن وُليَّ عليهم، لهذا أخبر النبي أن أولئك الذين لا يرحمون الناس لا
يرحمهم الله تعالى، استنكف رجل أن يرى النبي يقبل صبياً من الصبيان فقال:
تقبلون صبيانكم؟ فقال له صاحب القلب الرحيم: "أو أملك أن نزع الله من قلبك
الرحمة" وفي موقف آخر قال النبي :"من لا يرحم لا يرحم" ومن رحمته بأمته
دعا فقال:"اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من
أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه".
* ومن من خلقه الحياء: ويكفي
في ذلك شهادة الله بقوله عز وجل إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم
والله لا يستحي من الحق .ويقول أبو سعيد الخدري رضي الله فيما رواه
الشيخان: كان رسول الله أشد حياء من العذراء في خدرها وكان إذا كره شيئا
عرفناه في وجهه.
* ومن خلقه العفو والتنازل عن حقه: عن عائشة - رضي
الله عنها – قالت: ما ضرب رسول الله شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما
إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن
ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل.
* ومن خلقه أيضاً حسن
منطقه: عن عائشة - رضي الله عنها -أن رجلا استأذن على النبي فلما رآه
قال: "بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة"، فلما جلس تطلق النبي في وجهه
وانبسط إليه فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله، حين رأيت الرجل
قلت له كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه، فقال رسول الله : "يا
عائشة متى عهدتني فحاشا؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه
الناس اتقاء شره" رواه البخاري.
ومن حسن خلقه أن كان لا يرد سائلاً :
عن جابر رضي الله عنه يقول ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قط
فقال لا.
عن ابن عباس-رضي الله عنه- قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى
أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي :يا نبي الله، ثلاث أعطنيهن، قال:
نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها، قال:
نعم، قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك، قال: نعم، قال: وتؤمرني حتى أقاتل
الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: نعم، قال أبو زميل ولولا أنه طلب ذلك
من النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطاه ذلك؛ لأنه لم يكن يسأل شيئا إلا قال
نعم.
* ومن خلقه مراعاته لمشاعر الناس: وهو جانب دقيق وعجيب في سيرته
وشواهده كثيرة، منها ما يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا دخل على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة وكان النبي صلى الله عليه
وسلم قلما يواجه رجلا في وجهه بشيء يكرهه، فلما خرج قال:"لو أمرتم هذا أن
يغسل هذا عنه".
وفي الصحيحين أنه أهدى إليه رجل صيداً وهو محرم فرده
فلما رأى ما في وجهه قال:"إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرم".
وحين جاء
مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - وأصحابه إلى النبي فبقوا عنده أياماً،
قال مالك: وكان رسول الله رحيما رفيقا فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا
فسألنا عمن تركناه من أهلنا فأخبرناه فقال:"ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا
عندهم وعلموهم ومروهم، إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم".
وحين
تقرأ في سيرته ترى أنه كان يدرك هذه المشاعر وكان يراعيها، بل كان يرعى
ذلك وهو في عبادته وصلاته، فيخبر عن نفسه أنه يدخل الصلاة وهو يريد أن
يطيلها فيخفف خشية أن تفتن أمته، مع أنه دعا إلى أن تصلي المرأة في بيتها،
فكيف بأولئك الذين أوجب الله عليهم صلاة الجماعة.
* ومن خلقه
اهتمامه بالناس: وهو خلق عجيب، وقد دونت بعضاً مما رأيته في سننه فرأيت أن
الأمر يطول، ومن ذلك مثلاً ما يرويه عثمان رضي الله عنه :"إنا والله صحبنا
الرسول في السفر والحضر، وكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا،
ويواسينا بالقليل والكثير وإن أناسا يعلموني به ، عسى أن لايكون أحدُهم رآه
قط. رواه أحمد.
وها هو حين ماتت امرأة كانت تقم المسجد فحقَّر الناس
شأنها وصلوا عليها ودفنوها بليل، قال رسول الله :"هلا آذنتموني؟" فيذهب
إلى قبرها ويصلي عليها.
وحين مرض شاب غلام من أصحاب النبي أتاه
يعوده ، وهو زيد بن أرقم الذي جاء إلى النبي راوياً له ما قاله ابن أبي
فقال النبي:" قد وفت أذنك يا غلام، إنه لا يستنكف ولا يتكبر أن يعود هذا
الغلام، فهو يهتم بشأن خاصة أصحابه، ويهتم بشأن الأعراب والصبيان والقريب
والبعيد، بل يبلغ هذا الأمر عنده شأناً عجيباً، كان النبي جالساً فدخل أبو
بكر فلم يعدل جلسته فلما دخل عمر كان كذلك، فلما دخل عثمان تهيأ النبي
وعدل جلسته فيقال له في ذلك فقال: "إن عثمان رجل حيي فإني يخشى أن يراني
هكذا فأخشى ألا يبلغ حاجته" انظروا إلى هذا القدر من رعايته واهتمامه بشأن
الناس.
تأتي امرأة في عقلها شيئاً فتنطلق بالرسول وتحدثه بحاجتها، تأتي
إليه بريرة وهي أمة حين عتقت فيشفع لديها أن تعود إلى زوجها.
يهتم
النبي بشأن هؤلاء وهو الذي يقود الأمة ويواجه اليهود وغطفان وقريش
والمنافقين والأعراب من هنا وهناك، وهو الذي يتحمل القضاء للناس والفتاوى
وحل شؤونهم وتعليمهم.
إنك لو أردت أن تستكثر من هذه الشواهد لشعرت أن
المقام يضيق بك، فما أحوج طلبة العلم وما أحوج الذين يتصدون لدعوة الناس
إلى الله وتعليمهم وتربيتهم أن يعتنوا بشأن الناس، ولو بكلمة طيبة أو
اعتذار لطيف أو حسن استقبال، فذلك قد يكفي ويخلق من المحبة لدى قلوب الناس
الكثير، بل المرء يفعل ذلك تديناً وحسن خلق قبل أن يكون لأجل أن يكسب الناس
ومودتهم .
أسأل الله أن يرزقنا التأسي بنبيه وأن يحسن خُلقنا إنه
سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه،،، | |
|